كأن لاسمه نصيبًا فى طبيعة ما قدر له أن يلعبه من دور.. محمد طلعت حرب، حياته كانت أشبه بحرب متصلة فى سبيل تأسيس اقتصاد وطنى مستقل وحر.. ولذلك حرص الإنجليز على الانتقام منه، لأنه وضع صرحًا للاستقلال الاقتصادى فى مصر، ونجحوا فى ذلك..
ففى ١٨ أغسطس عام ١٩٣٩ قبيل الحرب العالمية الثانية كان على ماهر رئيسًا للحكومة حتى يونيو عام ١٩٤٠، وكان حسين سرى هو وزير المالية وكان الإنجليز المسيطرون على مصر قد أوعزوا للحكومة بأن تسحب كل قرش لها لدى بنك مصر ففعلت، وتبع هذا الإجراء موجة هلع قام على إثرها الأهالى بسحب ودائعهم من البنك وتقدم طلعت حرب إلى البنك الأهلى يطلب قرضًا لقاء رهن محفظة الأوراق المالية فرفض البنك «التابع للإنجليز» ذلك، واتهم الإنجليز طلعت حرب بسوء الإدارة وأن بنك مصر لم يلتزم بالأصول المصرفية.. وقال له حسين سرى «أنت.. أو البنك» فاستقال لحماية البنك والشركات التابعة له ودعمت الحكومة البنك فيما بعد بمليونى جنيه.
فما بداية بنك مصر وما تفاصيل الـ «حرب» من أولها.. وصولاً للتأسيس؟
فى البداية أحس طلعت حرب أن المفاتيح الحقيقية للقوة الاقتصادية المصرية لم تعد فى أيدى المصريين.. فجاءت دعوته إلى تأسيس بنك للأمة على قدم المساواة مع الدعوة للاستقلال السياسى، حيث لا استقلال سياسيًا دون استقلال اقتصادى بإنشاء بنك مصرى برؤوس أموال مصرية.
ودون أن ينضم طلعت حرب للوفد وجه النداء من تحت مظلته وأيده سعد زغلول واحتضنت الجماهير الفكرة، وكان أحد المستشارين الإنجليز قال لـ «طلعت حرب»: «أنتم لا تستطيعون أن تديروا بنكًا ولا تصلحون للأعمال المالية وقولك بأنكم تريدون بنكًا مصريًا مائة بالمائة فهذه لغة مظاهرات فى شارع وسأوافق على البنك لثقتى فى فشلكم».
ولكن واصل طلعت حرب دعوته وانضم إليها كبار رجال المال والفلاحون والنساء والرجال وانتصر الرجل وفى عام ١٩٢٠ الثامن من مارس تم تحرير العقد الابتدائى لشركة مصرية مساهمة تحت عنوان «بنك مصر» وكان المساهمون أقباطًا ومسلمين ويهودًا.
وفى ٧ مايو عام ١٩٢٠ كان البنك قد تأسس برأسمال قدره ٨٠ ألف جنيه موزعة على ٢٠ ألف سهم، قيمة السهم أربعة جنيهات وعدد المساهمين ١٢٦ مساهمًا لتقوم على هذا البنك شركات وصناعات ومطابع واستوديوهات وحلج القطن والنقل والملاحة والمصائد والمناجم والمحاجر والصباغة.