صدر في أهرام الثلاثاء15 يوليو خبر أفاد بأن الدكتور احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء قد عقد اجتماعا مع وزراء الري والتنمية الاقتصادية والإسكان والتنمية المحلية وخبراء اللجنة المعنية بمشروع ممر التنمية في وزارة التنمية الاقتصادية.
أكد الدكتور نظيف بعد الاجتماع أن مصر بحاجة الي مثل هذه المشروعات العملاقة لاستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة وطلب من اللجنة الوزارية انهاء الدراسة المطلوبة خلال هذا العام. اختص الاجتماع المذكور بالمقترح الذي قدمته تحت عنوان ممر التنمية في الصحراء الغربية في مقالة نشرت بالصفحة9 في اهرام السبت3 سبتمبر2005, تلا ذلك اجتماعي مع الدكتور نظيف والوزراء المختصين في4 ديسمبر2005 حيث بدأت بعده دراسة المقترح بواسطة الخبراء تحت مظلة وزارة التنمية الاقتصادية. بعد ذلك جمعت مالدي من آراء وصور فضائية ومعلومات جيولوجية وطبوغرافية وما اليها لتساعد الخبراء في الدراسة ونشرته في عام2007 في كتاب بعنوان ممر التنمية والتعمير وسيلة لتأمين مستقبل الأجيال القادمة في مصر هذا ولم أشارك في أي من الدراسات التقييمية للمقترح أولا لأنني وضعت كل مالدي من معرفة في يد الجميع, وثانيا لإيماني بوجوب النظر في الموضوع دون أي تحيز.
باختصار شديد يشتمل المقترح علي انشاء محور طولي للتنمية من ساحل البحر المتوسط وحتي بحيرة ناصر بموازات غرب الدلتا ووادي النيل بطول1200 كيلومتر. يشتمل هذا المحور الطولي علي طريق آمن واسع بالمواصفات الدولية مشتملا علي8 ممرات للسيارات وبموازاتها للناقلات ذهابا وإيابا. يوازي الطريق خط سكة حديد لنقل الناس والخامات والبضائع وأنبوب ماء عذب من الفائض في منطقة توشكي( ليس من بحيرة ناصر) وخط كهرباء لخدمة الانماء علي طول المحور. كذلك يشتمل المقترح علي انشاء محاور عرضية(12 علي الأقل) لربط أماكن التجمع السكاني بالمدن الكبري يصل طولها الاجمالي الي1200 كيلو متر اخري. شمل المقترح أن يبدأ العمل بالمحاور العرضية( ربما في السنوات الخمس الأولي) لفتح آفاق جديدة بالقرب من المدن الكبري للمشروعات العمرانية والزراعية والصناعية والتجارية والسياحية وما الي ذلك. يتم في المرحلة الثانية( ربما في خمس سنوات اخري) ربط هذه المحاور بالمحور الطولي كالعمود الفقري الذي يؤهل التوسع التنموي غير المحدود.
يجب علينا بعد صدور قرار الحكومة الأخير أن نبدأ بمبادرات لتعزيز المقترح كمشروع قومي- أي لكي يشارك القوم في نقاشه وازدياد آفاقه وتحديد مراحله والحفاظ علي مكوناته- لكي نؤهل لمصر دوام التقدم والازدهار بأحسن الوسائل لاستخدام ما يكمن في ارضها من ثروات.
لقد استمتعت في سنوات الشباب بالمشاركة في العمل الشعبي لسد حاجات الفقراء أو بناء المدارس والمستشفيات والمساجد او الحملات لانتخاب أحسن من يمثل أهل القرية. كان ذلك من آداب المجتمع الراقي الذي يغرس في الشباب حب الوطن والولاء للناس علي حد سواء. لذلك فانني اقترح إقامة مؤسسة وطنية من المجتمع المدني لدعم العمل وتحقيق اهداف مشروع ممر التنمية كلما كان ذلك ممكنا. تمثل هذه الخطوة تعزيز المقترح لكي ينمو كمشروع يشارك القوم في كل مراحله لضمان نجاحه في تحقيق القسط الأكبر من الصالح العام للغالبية العظمي من شعب مصر.
تؤهل المؤسسة المقترحة مشاركة الناس في دعم المشروع لكونها تدار بأناس يؤمنون بجدوي المشروع, لهم سمعة طيبة وغرضهم الأول والأخير المنفعة العامة. تجمع المؤسسة تحت اطار قانوني محكم التبرعات من الناس كل بمقدرته من جنيه واحد الي مئات الآلاف. تصرف هذه الأموال تبعا لمتطلبات الحكومة او الناس مما يلزمه الدعم المحلي. تلتزم المؤسسة المقترحة بقانون واضح وميزانية شفافة ويدير شئونها من يؤمن بأهميتها ويسير العمل فيها بناء علي فكر خبراء وفنيين يتطوعون للعمل مادام الغرض الأساسي هو النفع العام في صالح الخير للوطن.
نفترض مثلا أن موقعا يمكن أن يزخر بالمياه الجوفية ولكن ليس هناك اثبات ملموس ويلزم حفر بعض الآبار لاثبات او نفي ذلك. ربما تدعم المؤسسة المذكورة ما يلزم من عمل بناء علي مقترحات ذوي الاختصاص وتبعا لمواصفات تضعها الحكومة. يؤهل مثل هذا العمل تشجيع المستثمرين في المستقبل لتقديم مقترحات لمشروعات زراعية.
ولنفرض مثلا أن إحدي الجامعات أو المراكز البحثية تزمع دراسة احد آفاق المشروع لكي يضاف الجديد من الأفكار. أذكر في هذا الصدد مبادرة كلية الهندسة في جامعة المنصورة اقتراح برنامج ليبحث الطلبة والطالبات في أحد مكونات الممر كمشروع البكالوريوس. ربما تقوم المؤسسة بتشجيع مثل هذا العمل في جميع الجامعات والمراكز البحثية. يمكن أيضا أن تقوم المؤسسة بالاعلان عن جوائز سنوية لأحسن الأفكار في افاق المشروع المختلفة.
كذلك يلزم هذا المشروع الكثير من الجهد المستنير لتسويق الفكرة وآفاقها العديدة في مجالات التنمية المختلفة. يجب ألا تتحمل ميزانية الدولة مثل هذا العمل ويمكن أن تقوم المؤسسة باختيار ودعم أحسن الشركات المتخصصة في هذا المجال المهم. وهنا يجب أن يؤخذ في الاعتبار ان الخطة تشمل التسويق علي ثلاث مراحل محليا وعربيا وعالميا.
يقودنا ذلك الي الفكر في احتمالات الاستثمار بالمشاريع التنموية المختلفة. ربما يبدأ ذلك بتحديد المتطلبات ذات الأولوية في المحافظات المختلفة علي طول الممر لكي يمكن تحديد ماتستطيع الحكومة أن تتبوأه وما يمكن للقطاع الخاص المصري ان يقوم به. معني ذلك أن المستثمر المصري يجب أن تكون له الأولوية في المبادرة التنموية في العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وما اليها, خاصة علي جانبي المحاور العرضية حيث تكثر العمالة بالقرب من المدن الكبري, وترتفع أهمية ازدياد فرص العمل للجيل الصاعد.
بعد أن تتحدد معالم المشاركة الفعالة للقطاع الخاص المحلي تبعا لمبادراته وآماله وامكانياته, يلزم فتح باب المقترحات للاستثمار العربي.
اضافة الي الاستثمار المصري أولا والعربي ثانيا يمكن دعوة الاستثمار العالمي للمشاركة.
جمع ماتيسر من الخطط المستقبلية للاستثمار المصري والعربي والعالمي في مشاريع محددة علي طول مسار ممر التنمية يسهل الاتفاق مع المؤسسات العالمية التي تدعم البنية التحتية للمشروعات التنموية مثل البنك الدولي والبنوك العالمية المختلفة خاصة في انشاء المحور الطولي. هكذا في نظري يمكن أن يتم تطوير مراحل العمل في المشروع وضمان الوصول الي اغراضه في دعم الاقتصاد الوطني في مصر.. هكذا ايضا يتم العمل في اطار المشاركة البناءة المتكاملة بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات المدنية.
لاشك في أني لن أري هذا المشروع مكتملا ولكنه لم يقترح لجيلي ولكن لصالح الأجيال الصاعدة. مع ذلك يسعدني أن اتخيل خريطة مصر بعد اكتمال البنية التحتية للمشروع وبدء العمل التنموي في المجالات المختلفة مشتملا ذلك علي ما يلي, علي سبيل المثال وليس الحصر:
* إقامة عشرات المدن, خاصة علي المحاور العرضية, التي تصلح كل منها لمعيشة ما يقرب من مليون نسمة في بيئة نظيفة تؤهل الحياة الكريمة النافعة.
* اضافة ما يزيد علي مليون فدان من الأرض الزراعية لسد حاجتنا من الغذاء خاصة القمح.
* نقل المصانع الكبيرة الي مواقع تناسبها بعيدا عن المدن تزخر بكل ما يلزمها من قري سكنية للعاملين بها شاملا ذلك علي المدارس والاندية الرياضية والمستشفيات وما اليها.
* فتح المبادرات الشخصية للتجارة والخدمات لآلاف الأفراد والشركات لبيع أو تصدير الإنتاج الصناعي والتجاري محليا وعربيا وعالميا.
* ارساء مئات من الفنادق والمصحات والملاهي وكل ما يرغبه السائح لدعم الاقتصاد محليا علي طول المحاور العرضية والمحور الطولي.
* انشاء عشرات الجامعات والمعاهد الفنية حيث يتفرغ الطلبة والطالبات لجمع العلم والمعرفة بعيدا عن مواقع التكدس السكاني لتأهيل التفرغ للتفوق والتميز. * القيام بانجازات اخري من فكر الجيل الصاعد المؤهل للابداع.
أثق ثقة كاملة في أن فتح الباب امام النشاط الفكري لأهل هذا البلد المعطاء سوف ينتج عنه ما لا يمكن التكهن به حاليا. ينبع هذا من ثقتي بان العقل المصري بوتقة حية تمتد جذور قدراتها في اعماق التاريخ وتزداد ولوجا كلما اتسع أفق المبادرات ودام تشجيع الفرد.
إكمال هذا المشروع في احسن صورة يؤهل لكل مصري ان يشارك في العمل لكي يزدهر الوطن ويرتفع شأنه ليعود من جديد كمنارة مضيئة للانسانية جمعاء.
[ نقلاً عن جريدة الأهرام ]