عباس الطرابيلي - الوفد
.. بعيداً عن حوادث ومآسي القطارات، فإنني أري أن خطوط السكك الحديدية أفضل من طرق الأسفلت في مشروع "ممر التنمية" لعدة أسباب: أولها التكاليف، ذلك أن تكاليف مد الكيلو الواحد من خطوط السكك الحديدية، أقل كثيراً من تكاليف شق الطرق البرية ونقل الأحجار إليها كأساس.. تم استخدام الأسفلت، لعدة طبقات.. وكلما طال الطريق كان هذا لصالح خطوط السكك الحديدية.
أيضاً تكاليف تشغيل وإدارة وصيانة خطوط السكك الحديدية أقل كثيراً من طرق الأسفلت، خصوصاً في بدايات التشغيل حيث يحتاج المشروع إلي استخدام سيارات نقل عملاقة، ذات حمولات كبيرة، لنقل معدات ووحدات مشروعات التنمية.. وتأتي النقطة الثالثة وهي العمر الافتراضي، ففي السكك الحديدية يكون الأمر أفضل.. خصوصاً أن استخدام وسائل النقل الثقيلة فوق طرق الأسفلت يؤدي إلي سرعة تلف طريق الأسفلت، أي "هرسها" خصوصاً أن هذه الطرق سوف تكون في عمق الصحراء، حيث درجات الحرارة العالية التي تساهم في تدمير طرق الأسفلت.
** وإذا أردنا أن نبدأ هذا المشروع فعلينا أن ندرس كل صغيرة وكبيرة فيه. وأن ندرس ـ بعيون متفتحة ـ كل التجارب المماثلة في غيرنا من الدول التي أخذت بفكرة ممرات التنمية..
هناك تجارب قديمة رائدة.. وهناك تجارب جديدة لا يمكن تجاهلها..
** من التجارب القديمة تجربة خط سكة حديد سيبيريا الذي فتح آفاق هذه القارة الجليدية أمام مشروعات الاستثمار التي أدت إلي أن تقدم الاتحاد السوفيتي ونجح في إقامة العديد من المشروعات العملاقة.. ولولا خط السكة الحديد.. لما تقدمت عملية التطوير هذه خطوة واحدة..
وهناك خطوط السكك الحديدية التي لجأت إليها الولايات المتحدة في القرن 19 لتعمير وسط ثم غرب الولايات المتحدة، وهي عملية ساهمت في صنع عظمة وقوة الولايات المتحدة حقيقة نقلت هذه الخطوط الناس من شرق القارة الأمريكية إلي مناطق أكثر خيراً وأخصب وأغني في وسط القارة ثم في غربها.. إلا أن اللجوء إلي فكرة السكك الحديدية كانت هي الأفضل اقتصادياً وتعميرياً.. ومستقبلياً.
واندفعت حكومة الولايات المتحدة تمنح الشركات امتيازات مد خطوط السكك الحديدية فأقامتها علي أسس اقتصادية، حيت لا تتحمل الحكومة أي أعباء.. وكانت فكرة السكك الحديدية هي التي نقلت قافلة التنمية والتعمير فوق قضبان من حديد، وفي ظروف أقسي مما هي عندنا في مصر.. ولا أحد ينكر ـ الآن ـ في كل أمريكا أن اللجوء إلي خطوط السكك الحديدية كان أفضل الخيارات أمام عملية تنمية وسط ثم غرب القارة الأمريكية، بدليل أن كندا وهي شمال الولايات المتحدة لجأت إلي نفس الأسلوب، لتصبح كندا بعد ذلك إحدي الدول التسع الصناعية الكبري.
** ونجاح اللجوء إلي السكك الحديدية قديماً هو الذي دفع الصين الآن إلي تكرار هذا الأسلوب فيما تنفذه الآن من "ممر للتنمية" يربط التبت بكل أنحاء الصين. نقول ذلك ونحن نعرف مدي الطموح الصيني في تطوير كل منطقة في "القارة الصينية". ولو كانت الصين بكل ما تملكه الآن من تكنولوجيا حديثة قد رأت أن طرق الأسفلت هي الأفضل.. للجأت إليها.. أما وقد لجأت إلي السكك الحديدية فهذا يؤكد ما نقول به..
وهنا يجدر أن نقول إن أوروبا تمتلك الآن شبكة من الطرق الحديدية حولت القارة إلي كتلة واحدة مترابطة تسهل نقل الركاب والبضائع وهذا من أسباب تقدم المجموعة الأوروبية، أو السوق الأوروبية الموحدة..
** علينا إذن أن ندرس كل التجارب، في كل الدول، ما نجح منها وما فشل.. وأن نقارن ذلك بما نفكر فيه.. لأن الفكرة براقة وسوف تجد من يصنعه لها من إعلام رسمي يتحرك بالريموت كونترول. وأن نركز علي أسباب فشل بعض هذه »الممرات« مثلما حدث في البرازيل ـ وهي دولة غنية ـ ومثلما فشلت فكرة ممر التنمية التي حاول تنفيذها مستثمر أمريكي في حوض الأمازون.. وأيضاً فشل فكرة ممر للتنمية يمر بولاية أركانسو ـ التي خرج منها بيل كلينتون.
وهنا كم أتمني أن ندعو الدكتور إسماعيل سراج الدين ليتحدث عن خبرته القديمة الرائعة عندما كان في مقدمة خبراء ومسئولي صندوق النقد الدولي.. لأنه عايش ـ وكان قريباً أيضاً من البنك الدولي ـ العديد من المشروعات المماثلة.
استمعوا إلي الرجل لأنه يمتلك ما يفيدنا.. قبل أن نندفع في تنفيذ مشروع براق يحتاج إلي سنوات من الدراسة والمناقشة.