أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود. وُلِدَتْ فكرة هذه الحلقة قبل أكثر من عام حينما التقيتُ مع الدكتور فاروق الباز في مدينة الدار البيضاء وتلازمنا عدة أيام تحدثنا فيها مطولاً عن مصر وهمومها، لكن فكرة هذا الموضوع وُلِدَتْ قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً في ذهن صاحبها حيث حولها إلى مشروع حقيقي موثق بالخرائط والصور والدراسات حَمَلَهُ إلى المسؤولين المصريين عام 1982 إلا أنه لم يجد آذانا صاغية مِنْ أحد آنذاك، لكنه لم ييأس وظل يُحَدِّثُ ويُطَوِّر فيه حتى اليوم على أمل أن يجد من يعمل حقاً من أجل مصر وشعبها حتى يضعه بين يديه ليكون تنفيذه بدايةً لخروج مصر من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويعطي بُعداً ورؤية لمصر في قرن جديد ويدخل من يقوم به من حكام مصر تاريخها من أوسع أبوابه، فأزمات مصر في رأي كثير مِنَ المراقبين صُنِعَت بأيدي حكامها وحكوماتها المتعاقبة التي عَزَلَتْ أهل الرأي والخبرة والصلاح وقدمت أهل الثقة والولاء والفساد وبالتالي فإن حلول هذه المشكلات ليست صعبة لكنها أيضاً بأيدي حكامها إن كانوا يريدون الصلاح لها ولشعبها، لا سيما وأن هناك وُعُوداً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأن مصر ستدخل إلى عهد جديد وفي هذه الحلقة يكشف الدكتور فاروق الباز بالوثائق والصور والخرائط مشروعه ليكون وثيقة بين أيدي المخلصين من أبناء مصر وإدانة للمتقاعسين الذين نهبوا خيراتها وخيرات شعبها وكانوا يستطيعون الفعل لكنهم تعللوا بالعجز. وُلِدَ الدكتور فاروق الباز في الأول من يناير عام 1938 في قرية طوخ الأقلام التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية في مصر، حصل على البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة عين شمس عام 1958 ثم حصل على الماجستير في الجيولوجيا مِنْ معهد علم المعادن في ولاية ميسوري الأميركية عام 1961 وعلى الدكتوراه في التكنولوجية الاقتصادية عام 1964 ثم عاد إلى مصر لكنه مثل كثير من أبنائها المبدعين وجد نفسه قد وُضِعَ في المكان غير المناسب فعاد سراً إلى الولايات المتحدة عام 1966 حيث التحق بوكالة الفضاء الأميركية (NASA) وكان أول من حدد مواقع هبوط المركبات الفضائية الأميركية على سطح القمر، كما أنه قام بتدريب رواد الفضاء الأميركيين قبل رحلاتهم مما جعل رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ يُرْسِل رسالة من على سطح القمر باللغة العربية تقديراً لأستاذه فاروق الباز كما حمل معه سورة مِنْ سِوَرِ القرآن الكريم تركها على سطح القمر، بَقِيَ فاروق الباز إلى العام 1972 يعمل في برنامج الفضاء (Apollo) وسطع نجمه في أنحاء العالم وفي العام 1973 عمل رئيساً للملاحظة الكونية والتصوير في مشروع (Apollo) ثم انضم عام 1986 إلى جامعة (Boston) حيث يعمل الآن رئيساً لقسم أبحاث الفضاء في الجامعة ورغم أنه يعيش خارج مصر منذ أكثر من أربعين عاماً إلا أن مصر تعيش في داخله مثل عشرات الآلاف من العلماء المصريين المهاجرين في أنحاء الدنيا والذين يأملون أن يعودوا يوماً إلى بلادهم لتستفيد من خبراتهم، دكتور فاروق مرحبا بك.
النيل ودوره والاستفادة منه في إقامة الطرق
الدكتور فاروق الباز– مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن: أهلاً مساء الخير، شكراً جزيلاً.
أحمد منصور: أود في البداية أن أسألك عن طبيعة هذا المشروع الذي قضيت ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً من عمرك تعمل عليه من أجل تطوير مصر ونقلها إلى عصر جديد؟
فاروق الباز: شكراً أخ أحمد بس أنا كنت عايز أصحح حاجة لأن دي بتعمل لي مشاكل في مصر أنت قلت إن أنا وُلِدت في قرية طوخ الأقلام أنا العايلة كلها من طوخ الأقلام بس أنا وُلدت في الزقازيق، الناس بتوع الشرقية يقولوا بيقول كده ليه في الدقهلية؟ لا ده مولود عندنا.
أحمد منصور: عموماً الدقهلية والشرقية جيران يعني.
"مشروع تطوير مصر ونقلها إلى عصر جديد نتج من دراساتي للصحراء الغربية منذ عام 1975 بمشاركة زملاء في جامعة عين شمس وزملاء في مركز أبحاث الفضاء في القاهرة ومركز أبحاث الصحراء"
فاروق الباز: صح، المشروع ده نتج الحقيقة من دراساتي للصحراء الغربية منذ عام 1975 نحن نعمل دراسات في الصحراء الغربية بمشاركة زملاء في جامعة عين شمس ثم مشاركة زملاء في مركز أبحاث الفضاء في القاهرة ومركز أبحاث الصحراء يعني مشاركة مع الزملاء أنا لا أعمل هناك وحدي.
أحمد منصور: نعم.
فاروق الباز: مع المساحة الجيولوجية مع كل الناس والأخوان وزملاءنا الجيولوجيين والجغرافيين، أهم حاجة في قصة الدراسة بتاعت مصر إنه اتضح لنا أساساً إن تاريخ مصر العظيم نتيجة لوجود طريق متميز للغاية رابط كل الدول.. الدولة من أولها لآخرها الطريق ده هو النيل، كانت تمشي فيه الحكومة وتمشي فيه البضائع وتمشي فيه الناس وتمشي فيه.. فسهولة الحركة ما بين شماله وجنوبه جعل هناك دولة مستقلة ودائمة إلى يومنا هذا يعني كان الطريق ده كان مهم للغاية..
أحمد منصور [مقاطعاً]: مِنْ أقدم دول العالم.
فاروق الباز [متابعاً]: من أقدم دول العالم وكان من السهولة جداً إنك تسافر للشمال مع مسار المياه وترجع جنوباً مع مسار الهواء مع السير بتاع المركب، فوجود الطريق ده وهو نهر النيل كان من أهم عماد.. أعمدة الحضارة المصرية القديمة، نحن اليوم لا نتحرك بالنيل كثيراً وإنما نقوم بعمل طرق، الطرق التي موجودة حالياً في مصر هالكة ولا تصلح للاستخدام الحقيقي لنقل الناس والبضائع وكل الحاجات دي ولابد من طرق جديدة حتى يعني تتم تنمية كاملة للثروات في مصر، فكل ما فكرنا فيه إنه إيه؟ أنا عندي النيل طالع ماشي كده من الشمال للجنوب، إحنا المفروض نعمل لنفسنا سِكّة جديدة برضه من الشمال للجنوب بعيد عن النيل، غرب النيل بعيد عنه خالص.
أحمد منصور: لماذا غرب النيل وليس شرقه؟
فاروق الباز: غرب النيل عشان في الغرب يوجد هضبة مستوية من الجنوب للشمال مائلة هكذا ومستوية لا يوجد بها وديان ولا تهبط عليها سيول وهذه المنطقة ليس بها كثبان رملية، يعني لا تُعَطِل بالرمل ولا تُعَطِل بسيول.
أحمد منصور: يعني الطريق جاهز؟
فاروق الباز: الطريق جاهز.
أحمد منصور: للرصف مباشرةً.
فاروق الباز: لأنها هي مستوية أساساً ومائلة هكذا من الجنوب للشمال عشان..
أحمد منصور [مقاطعاً]: ما ميزة هذا المَيْل؟
فاروق الباز: ميزة الميل أن المياه تصل لك من الجنوب للشمال بسهولة، ما أنا عايز أجيب مياه من هذا الطريق.
أحمد منصور: بدون حاجة إلى ضخ مياه.
فاروق الباز: ولا ضخ ولا كهرباء كما يمشي النيل، النيل ماشي من أسوان لحد عندنا لحد البحر المتوسط كيف؟
أحمد منصور: تقصد هنا المياه العذبة التي يمكن أن تخدم الطريق.
فاروق الباز: صح، فمعنى ذلك إن إحنا ممكن نعمل ذلك إزاي؟ أنا كان عندي طريق على النيل هنا لو أنا عملت له ممر للتعمير موازي له وأعمل سلالم ما بين الاثنين دول أو خطوط تعتبر سلالم يبقى أنا عملت لنفسي سلم للتعمير، أنا عملت أنا عندي شارع هنعمل شارع جنبه أو أضع 12 سلّمة ما بين الاثنين يبقى أنا هذه السلالم هي التي ستخرجني من المشكلة أساساً.
شبكة الطرق المقترحة وأهميتها لإنشاء مدن جديدة
أحمد منصور: ما هي هذه السلالم التي تشير إليها أو الطرق الفرعية مِنَ الطريق الرئيسي؟ هل أخذت بالنظرية التي يعني يُبْنَى عليها العالم المتحضر الآن في أن إنشاء شبكة طرق وتمهيد هذه الطرق يسبق بناء المدن ويسبق بناء المشاريع ومِنْ ثم فإن بناء هذا الطريق سيؤدي إلى بناء مصر جديدة؟
فاروق الباز: ليس هناك شك والسبب الأساسي في أن هذه النقط عملناها كده عشان توصّل الطريق ده بمراكز التجمع السكاني الرهيب في مصر يعني مثلاً منتصف الدلتا.
أحمد منصور: ممكن نرى شكل رقم واحد ربما يوضح يعني هذه الصورة بشكل أساسي؟ تفضل.
فاروق الباز: (Ok) صح، لو رأينا الشكل الأول اللي قبل كده نجدها صورة توضح لنا الطريق على رسمة بسيطة جداً توضح بسهولة.. الشكل اللي قبل ده.
أحمد منصور: ممكن نشوف ده، حضرتك اشرح لنا قل لنا إيه ده؟
فاروق الباز: هذا ماشي الكلام، هذه خريطة طبوغرافية من الفضاء، هذه رحلة من رحلات مكوك الفضاء، كان عندها رادار وكانت ترسل أشعة الرادار وأشعة الرادار ترجع ثاني ويقيسوا الطبوغرافية، الألوان التي هي بُنِيَة الشكل كلها عالية، هذه الأرض عالية، الأصفر قليلاً كده أقل وكل الأخضر واطي جداً، يعني أنت مثلاً لو نظرت على المنطقة اللي هي في الشمال خالص اللي هي مكتوب عليها منخفض القطارة أو دلتا النيل تجد اللون الأخضر هذا معناه إن المنطقة دي واطية، الحِتَت الصفراء أعلى شوية والحتت البني أعلى جداً.
أحمد منصور: يعني هذا التدرج الطبيعي اللي حضرتك أشرت إليه.
فاروق الباز: نعم هذا التدرج الطبيعي للطبوغرافية ماشية كده.
أحمد منصور: الآن المسار الطريق نفسه والطرق الفرعية التي يمكن أن تنبثق منه أعتقد جاهزة أيضاً الخريطة.
فاروق الباز: الخريطة دي ستُرِينا اللي هي مسار الطريق نفسه والممر الموازي له هو ده، عندك اللي أنا هو بأقول إيه إن إحنا بنعمل السلّم ده على اليمين نهر النيل ماشي من البحر المتوسط للجنوب لحد بحيرة ناصر، على اليسار خط موازي له بعيد عنه شوية إنما موازي له وما بين الاثنين 12 وصلة ما بين ده وما بين ده.
أحمد منصور: نعم، إيه الفلسفة اللي أقمت عليها اختيار الطرق العرضية هذه؟
فاروق الباز: رقم واحد وصولها إلى مجمع سكاني كبير جداً عايز لنفسه منفذ، عايز مكان فيه سكان كثير وفيه مباني كثير.
أحمد منصور: أنت حددت عفواً يا دكتور الأول يعني ما هي الأسس التي حددت عليها هذا الطريق؟ وما هو..
فاروق الباز [مقاطعاً]: الطرق الأساسية يعني..
أحمد منصور [متابعاً]: وما هي المسافة التي يبتعد فيها يقترب أو يبتعد فيها مِنَ النيل؟
فاروق الباز: مسار الطريق كان أساساً مرسوم بطبوغرافية المكان أساساً طبوغرافيا، يُبْعِد هذا الطريق عن هضبة النيل ويُبْعِده عن وادي النيل نفسه.
أحمد منصور [مقاطعاً]: الذي يتركز فيه السكان.
فاروق الباز: وادي النيل نفسه ضيق ومافيش أي منفذ له فعايزين نبعد عن الوادي نفسه، فأنا أخرج من الوادي أطلع فوق الهضبة في غرب الوادي وفي غربه وشرقه فيه هضبة أطلع لها أنا من فوق، لو أنا طلعت..
أحمد منصور [مقاطعاً]: وأنت درست تضاريس هذه الهضبة بشكل دقيق.
فاروق الباز: وعارفينها قطعة قطعة.
أحمد منصور: بالصور وبالأقمار الاصطناعية.
فاروق الباز: والمعاينة..
أحمد منصور: وبالمعاينة.
فاروق الباز: لما بنروح في الشرق نجد فيه وديان كثيرة جداً بتكسّر المنطقة دي، يحصل فيها ذيول كثيرة جداً لأنه لا يوجد هضبة حقيقية وإنما جبال وما بينها وديان.
أحمد منصور: اللي هي منطقة من شرق النيل إلى البحر الأحمر.
فاروق الباز: صح، لما تروح غرب النيل تجد وادي النيل هنا واطي وبعدين يصعد كده على الهضبة والهضبة دي مستوية بعد كدة، لأنها من صخور رسوبية مش زي الصخور النارية في الصحراء الشرقية، هذه الهضبة مستوية وماشية بالتدرج الطبيعي بتاع الميل من الجنوب للشمال.
أحمد منصور: حضرتك رسمت نوع من التفصيل لمكونات الطريق في شكل رقم ثلاثة..
فاروق الباز [مقاطعاً]: صح.
أحمد منصور: هل يمكن توضح لنا بناء مثل هذا التفصيل؟
فاروق الباز: القصة هنا إيه؟ لما الواحد يفكر في هذا لازم نعمل طريق عريض جداً بالمواصفات العالمية.. اللي هو شايف المنطقة الخضراء اللي في النصف دي منطقة دائرة دي كأنها حديقة في النصف.
أحمد منصور: دي محور عند طريق فرعي.
فاروق الباز: ده محور يعني الطريق الأساسي اللي هو ماشي من الشمال للجنوب من فوق لتحت، الأول العريض الرمادي اللي نازل من فوق لتحت ده الطريق الأساسي وأنا بأقول إننا محتاجين على الأقل ثمانية ممرات للسيارات..
أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أربع حارات يمين وأربع حارات يسار.
فاروق الباز: ليه؟ علشان يبقى عندي حارتين للنقل وحارتين للركاب ذاهبين وحارتين مِنْ هذا وحارتين مِنْ هذا راجعين علشان يبقى فيه براح وأترك براح للتوسع أكبر مستقبلاً.
أحمد منصور [مقاطعاً]: ليس مثل الطرق الحالية الضيقة والتي لا يوجد فيها براح.
فاروق الباز: ولا يوجد فيها براح، أنا ممكن نعمل عشر ممرات بسهولة جداً إذا لزم الأمر وبعدين عند المنطقة اللي هي كانت خضراء دي عندك أنت امتداد للشرق، امتداد إلى الشرق يعني أين ذاهب؟ لحد النيل يعني على يمين الشاشة النيل موجود وادي النيل فأنا عندي بأعمل الشارع ده الطريق ده علشان يوصلني منطقة مكدسة سكانياً قبل ما يبدأ الشارع جانب الطريق نفسه أنا عايز أعمل كوبري علشان الكوبري ده يعدي على أشياء أخرى.. هي إيه الأشياء الأخرى؟ أنا عايز أعمل سكة حديد سريع وعايز أعمل جنب السكة الحديد دي قناة للمياه تأخذ مياه من الجنوب للشمال.
أحمد منصور: مغطاة ولا مكشوفة؟
فاروق الباز: لا بأنبوبة.