حلا لمشكلات مصر الاقتصادية يراهن الدكتور فاروق الباز علي ممر مقترح للتعمير مواز لنهر النيل ويمتد من البحر المتوسط حتي الحدود الجنوبية للبلاد بالصحراء الغربية التي يشير الي امكانية ترويضها واستثمار مساحتها البالغة ثلثي مساحة مصر.
وقال الباز مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة في كتابه ممر التنمية والتعمير.. وسيلة لتأمين مستقبل الاجيال الجديدة في مصر ان المشروع الذي يقترحه سيؤدي لانشاء عدد كبير من المشروعات السياحية والتنموية في الصحراء.
والكتاب الذي يقع في 188 صفحة كبيرة القطع مزود بعشرات الرسوم البيانية والخرائط التوضيحية والصور المأخوذة بالاقمار الصناعية وأجهزة الرادار التي يقول انها تبث موجاتها تجاه سطح الارض وتخترق السحب ولا تتأثر بالغلاف الجوي اذ تسجل الصدي الذي يعود اليها بدون الاعتماد علي ضوء الشمس.
وسيصدر الكتاب اليوم الاربعاء في القاهرة عن (دار العين للنشر). وتنظم مديرة دار النشر الدكتورة فاطمة البودي اليوم حفل توقيع للمؤلف بحضور عدد من المثقفين المصريين. وقال الباز (69 عاما) انه بدأ في دراسة صحاري مصر منذ ثلاثين عاما مرجحا أنها مؤهلة لضمان حياة كريمة لعدد كبير من السكان المرتبطين تاريخيا بقراهم ومدنهم حيث يميلون لاسباب نفسية وتاريخية الي العودة الي بلادهم حتي مهما تتباعد أماكن عملهم.
وأضاف أن الحل الامثل لخلخلة الكتل السكانية حول وادي النيل يتمثل في فتح افاق جديدة لجذبهم الي أماكن ليست بعيدة عن قراهم ومدنهم فلا يكفي في رأيه اقامة مدن أو مراكز صناعية لن تكون بديلا عن تخطيط شامل تستغل فيه الصحراء.
وقال ان معرفته بمواصفات الصحراء الغربية بمصر جعلته يتحمس لاقتراح ممر التنمية والتعمير منذ عشرين عاما ويعيد طرحه الان مشيرا الي أن هذا المشروع هو برنامج للتوسع العمراني والزراعي والتجاري والسياحي حول مسافة تزيد علي 2000 كيلومتر حيث يشمل الممر 12 محورا عرضيا تتراوح بين 20 و30 كيلومترا تبدأ من مراكز التكدس السكاني نحو الغرب وصولا الي الطريق المقترح الذي يصل طوله الي نحو 1200 كيلومتر ويمتد من ساحل البحر المتوسط بالقرب من منطقة العلمين غربي البلاد حتي الحدود الجنوبية.
وأشار الي أن الموقع الشمالي للممر علي البحر المتوسط سيكون مؤهلا لانشاء ميناء عالمي جديد يضاهي الموانئ العالمية في المستقبل كما يشمل الممر شريط سكك حديدية بموازاة الطريق لن يسبب انشاؤها أي تعد علي الارض الزراعية وسوف تسهل انتقال الصناعات الثقلية كالحديد والصلب بتكلفة أقل.
وقال ان مياه الشرب اللازمة للاستخدام البشري للمشروع سيكون مصدرها بحيرة ناصر أو قناة توشكي عبر أنبوب لمنع البخر أو تسرب الماء في الصخور ويتراوح قطر الانبوب بين 100 سنتيمتر و150 سنتيمترا.
وظلت مصر منذ تأسيس الدولة نحو عام 5100 قبل الميلاد تحتفظ بحدودها الحالية وتعتمد علي نهر النيل في الشرب والزراعة وهو ما جعل للنهر نوعا من القداسة التي لخصها المؤرخ هيرودوت بقوله مصر هبة النيل وتركز السكان حول الوادي وأهملوا الصحراء.
وأضاف أن المشروع المقترح يسهل النقل بين أطراف الدولة وسيؤدي لانشاء مشاريع جديدة للتنمية مشيرا الي وجود محفزات منها مساحات كبيرة من أراض يسهل استصلاحها اضافة الي احتمالات تواجد المياه الجوفية .
وأوضح أن صور الرادار لديها قابلية فريدة لاختراق الصحراء الجافة وكشف تضاريس أعماق الارض وأن هذه الصور توضح مسارات الاودية القديمة التي كانت تمثل أنهارا تسري فيها المياه بغزارة في الاحقاب الجيولوجية السابقة عندما كانت تهطل الامطار بكثرة فيها ثم اختفت تحت الرمال بعد أن حل الجفاف في منطقتنا منذ حوالي 5000 سنة. أهمية مسارات الانهار القديمة تتمثل في أنها تدلنا علي مواقع تركيز المياه الجوفية تحت سطح الصحراء .
وأضاف أن من أسباب تماسك الدولة المصرية التي لم تتغير حدودها لالوف السنين حسن استخدام نهر النيل في الانتقال من الجنوب الي الشمال مع حركة تيار المياه ومن الشمال الي الجنوب باستخدام الرياح.
وقال الباز ان مسار ممر التنمية والتعمير المقترح يقع في مسطح مستو من الصحراء الغربية بموازاة وادي النيل وان المشروع سيكون مناسبا لعشرات من المشاريع السياحية علي أعلي المستويات العالمية مشيرا الي امكانية التخطيط لانشاء متاحف حربية بعد تطهير الساحل الشمالي الغربي من الالغام التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والتي يقدر عددها بحوالي 20 مليون لغم منها المضاد للافراد والسيارات الحربية والدبابات .
وأضاف أن المحاولات السابقة لحث الدول المتسببة وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا وايطاليا علي ازالة الالغام لم تنجح اذ كان السبب في ذلك قولها ان أراضي المنطقة صحراء جرداء لا نفع فيها وأبدي تفاؤله بأن وجود خطة مكتملة للتنمية سيدفع هذه الدول الصديقة لتحمل مسؤولياتها في ازالة الالغام.
وضرب الباز مثلا بمحور الواحات البحرية الواقع علي بعد نحو 300 كيلومتر جنوب غربي القاهرة قائلا ان تلك المنطقة يمكن أن تمثل مصدرا للتمر واللحوم يكفي مصر بأكملها مشيرا الي أن مناخ الواحات ومياهها الجوفية تسمح بزراعة حوالي نصف مليون فدان بأنواع من النخيل وأن هذا سيترتب عليه اقامة صناعات تعتمد علي هذا النوع من الزراعة.
كما أشار الي أن محور طنطا في الشمال سيسمح بمزيد من الارض الزراعية والانتاج الحيواني علي مستوي واسع... ليس هناك أسباب وجيهة لبقاء مصر بلد مستورد للحوم الحيوان حيث انها قادرة علي الاكتفاء الذاتي والتصدير .