بقلم د. محمود عمارة ٨/ ٢/ ٢٠١٠
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=243299مساحة ليبيا ١.٧ مليون كم٢.. وعدد سكانها ٧ ملايين نسمة.. والمشكلة أنهم لا يملكون «نقطة ماء» فى كل هذه البقعة الصحراوية القاحلة.. ولا يمكنهم أن يزرعوا أو يشربوا «بترولاً».. فماذا فعل القذافى لحل هذه المعضلة؟
قرر «معمر القذافى» (الذى يتهكم عليه البعض أحياناً).. عمل دراسات مقارنة بين تكلفة «التحلية لمياه البحر».. وبين استخراج وتجميع المياه الجوفية ونقلها من الجنوب إلى الشمال.. وأثبتت الدراسات أن تكلفة المتر المكعب بعد التحلية=٣.٧٥ دولار.. وأن المتر «الجوفى» يتكلف ٣٥ سنتاً فقط.. فجاء قرار العقيد كالتالى:
١ - بدء العمل فى إنشاء المشروع الجوفى تحت اسم «النهر الصناعى العظيم».. وتم وضع حجر الأساس فى ٢٨ أغسطس ١٩٨٤ وتاريخ الانتهاء ٢٨ سبتمبر ١٩٩٣.
٢ - تتحمل خزانة الدولة تكلفة المشروع وقدرها ٢٥ مليار دولار.. وبلا قروض من البنك الدولى أو غيره حتى لا يتعرض لأى ضغوط أو عراقيل.
٣ - للفقر فى الخبرة.. يتم شراء التقنيات الحديثة، ونقل التكنولوجيا، والخبراء من كوريا الجنوبية- تركيا- ألمانيا- الفلبين، واليابان.
٤ - الهدف هو: استخراج، وضخ وتجميع، وتخزين، ونقل ٦.٥ مليار متر مكعب مياه جوفية عذبة سنوياً.. وأن تتم مضاعفتها من منابع النيل مستقبلاً.
٥ - يعتبر هذا هو المشروع القومى للبلاد خلال السنوات التسع التى يستغرقها بناء هذا المشروع العملاق، والذى يعتبره الخبراء أضخم «نهر صناعى» عرفه الإنسان.. وصاحب الفكرة هو المهندس «خالد عبدالله».. وهو مصرى الأصل!
ومشروع النهر العظيم عبارة عن: ١٣٠٠ بئر جوفية تزيد أعماقها على ٥٠٠ متر لاستخراج المياه من باطن الأرض، ثم ضخها فى أنابيب أسمنتية يبلغ قطر كل منها ٤ أمتار تُدفن تحت الأرض لتشكل فى مجموعها نهراً صناعياً بطول يتجاوز ٤ آلاف كم، تمتد من جنوب البلاد إلى شمالها.. وتتجمع عند وصولها فى خمس بحيرات صناعية معلقة.. أقلها تتسع لأربعة ملايين متر مكعب، وأكبرها سعة ١٦ مليوناً.. مملوءة بالمياه طوال العام كمخزن ثابت.. والمشروع يستهدف بالدرجة الأولى توفير مياه الشرب، وإقامة مشروعات زراعية استيطانية وإنتاجية.. وللتخفيف من وطأة السحب الجائر من المياه الجوفية فى مناطق الشريط الساحلى الشمالى.. ولإنقاذ الناس من كارثة عطش محققة!
والنتيجة أن المواطن الليبى الذى كان نصيبه أقل من ٥٠ متراً من المياه أصبح يستحم، و«يبلبط» فى قرابة ألف متر مكعب سنوياً!.. و«ليبيا» أصبحت تنتج: ٢ مليون طن من فواكه وخضروات، ولحوم وحبوب.. وتصدر الآن إلى أوروبا موالح- تمراً- زيت زيتون، واستطاعت أن تنشئ صناعة لتربية الدواجن والطيور.. وجذبت المستثمرين الإيطاليين والإسبان من «مطاريد البيروقراطية والروتين المصرى» فى الاستثمار الزراعى، لسهولة الإجراءات.. وللتحول الذى طرأ على سياسة القذافى الانفتاحية، التى جعلت دخل الفرد يصل إلى ١٥ ألف دولار سنوياً.. وأن يصل الاحتياطى النقدى إلى ٣٠ مليار دولار!
والجديد:
أن ليبيا بـ«القذافى» الذى نجح فى كسب الود مع كل شيوخ القبائل الأفريقية.. وبالمنح والهدايا والمساعدات والتواجد والتواصل مع دول منابع النيل، وبعد أن تغلغل نفوذه بدأت تطالب بـ«حصة من مياه النيل».. وتجرى دراسات حالياً لتغذية النهر من بعض أنهار القارة الأفريقية، ومن القنوات والأدغال!
وهكذا يفكرون، ويقررون، ويعملون، ويحققون الأهداف قبل أن تقع الكارثة.. أما نحن فـ«غارقون» فى مستنقع الصراع على الكرسى الكبير.. و«نتسلى» بالخناقات، والملاسنات.. و«اكتفينا» بالشكوى والنقد.. و«عجزنا» عن اتخاذ أى قرار لأى مشروع قومى، ولن أقول «مشروع نهضة شاملة» والدليل:
مشروع العالم د.فاروق الباز، وهو أيضاً مصرى.. تقدم بدراسات قبل أن يفكر خالد عبدالله فى ليبيا.. وتقدم الباز بفكرته إلى الحكومة المصرية بداية الثمانينيات لإنشاء «ممر التنمية والتعمير» كوسيلة لتأمين مستقبل الأجيال القادمة فى مصر، ولتفادى كارثة «المجاعة» المحققة نتيجة للانفجار السكانى الهائل.. ورغم أن المهندس حامد عبدالله حقق مشروعه فى ليبيا.. نجد العالم فاروق الباز مازال يسعى ونشف ريقه لإقناع الحكومة المصرية رغم مرور ربع قرن، ولا حياة لمن تنادى!
ملخص المشروع:
أن هناك ١٦٠٠ مليار متر مكعب من الأمطار تسقط على دول منابع النيل منذ ملايين السنين.. يصل منها إلى النيل ٨٤ ملياراً.. والباقى معظمه يتسرب إلى الخزانات الجوفية فى باطن الأرض.. وبما أن أفريقيا مرتفعة جنوباً.. وتنخفض باتجاه الشمال، فخلقت نهر النيل السطحى ليصب فى المتوسط.. وبالتوازى خلقت أنهاراً تحت الأرض بموازاة النيل تأتى من المنابع مروراً بالسودان وتشاد لتخترق باطن الأرض فى الصحراء الغربية المصرية، وبعضها يذهب إلى ليبيا.. وبما أن الأقمار الصناعية أثبتت أن هذه الصحارى المصرية تعوم على بحار من المياه الجوفية المتجددة.. فجاءت الفكرة كالتالى:
أنبوب قطره ٢ متر فقط للشرب، وبجواره طريق وسكة حديد بطول ١٢٠٠ كم.. يبدأ هذا «الممر» من حدودنا الجنوبية مع وادى حلفا.. مروراً بأبوسمبل- توشكى- الخارجة- الداخلة- الفرافرة- الواحات البحرية- ليصل إلى العلمين على البحر المتوسط.. ويقع فوق «النهر الجوفى» المغطى تحت الأرض.. على أن يتم إنشاء مدن جديدة إنتاجية ومتكاملة على جانبيه.
بالإضافة إلى ١٢ محوراً عرضياً تربط بين المدن القديمة الواقعة على النيل، وبين ممر التعمير لجذب ملايين المصريين فى مشروعات لا حصر لها «فى الزراعة والتصنيع الزراعى- فى السياحة- فى التجارة- فى الصناعة.. فى استغلال ثرواتنا من المناجم والمحاجر والمعادن».. وفرصة لإنشاء عاصمة جديدة.. ولإحياء مشروع توشكى بربطه بباقى أجزاء الوطن.. وللاستغلال الأمثل لبحيرة ناصر.. و.. و.. من تفاصيل كثيرة نشرها الباز فى كتاب بعنوان «ممر التنمية والتعمير» يباع بمكتبات الشروق لمن يرغب فى التعرف على كل جوانب ومزايا المشروع.
والسؤال الآن: إذا كنا قد فشلنا فى «مشروع زويل» بعد ١٠ سنوات من التردد.. فلماذا لا نبدأ بـ«مشروع الباز» قبل فوات الأوان.